تبرّع
بقلم: بشرى الحميدي

يد تلعب لتعتزل الكتابة
  •  
  • 2022-03-04
  •  https://acjus.org/l?a4081 

    مع إشراقة شمس كل صباح يستيقظ جواد منير سرحان باكرا، يلملم كتبه ويضعها في حقيبته المدرسية، فهو طالب في الصف السابع يبلغ من العمر 14 عاما، يدرس في مدرسة “الوعي الثوري” في قرية المسالية من مديرية مشرعة وحدنان التابعة لمحافظة تعز.

    في طريقه إلى المدرسة تسابق خطواته الوقت، قدماه تركلان كل صغير، تطأ ساقاه ساحة المدرسة، ويتوجه نحو الفصل، حيث يستند المقعد ويضع حقيبته المدرسية خلف ظهره. يبدأ الأستاذ بشرح الدرس كاتباً إياه على السبورة، وعندما ينتهي حتى يأمر طلابه بالكتابة.
    يقول جواد: “هنا أمسك القلم بإحدى يديّ، وأمرره على سطور الورق سطر فسطر، بينما يدي الأخرى أقلب بها الورق ورقة ورقة.

    ها قد انتهى اليوم الدراسي بسلام ، توجه جواد إلى فصل أخيه لعودا معاً إلى البيت كما يفعلان كل يوم. يصحب أخاه واضعا يده على كتفه.
    في طريقهما وجدا جسما غريبا “مقذوفا غير متفجر”، لم يكن الطفلان حينها يعلمان أن ذلك مقذوف تركته ميليشيا الحوثي كهدية تذكارية أو معلما أنها مرت من هنا؛ فهي تزرع الألغام مع كل خروج لها.

    التقط أحدهما المقذوف، فهما ككل الأطفال الذين يلتقطون كل شيء غريب، أو ما يلفت انتباههم، غير حذرين من أية عواقب، وعادا أدراجهما حتى وصلا منزل عائلتهما.
    يقول جواد: “وضعت الحقيبة وبجوارها اللعبة، يقصد المقذوف، وذهبت للغداء مع امي وإخوتي، وبعد أن انتهينا أخذنا المقذوف وصعدنا إلى سطح المنزل للعب، لم أكن أدري أنه سينفجر، فبينما نحن نلعب به من يدي إلى يد أخي؛ انفجر و”ما عاد عرفت بشي”.
    يضيف: حصل كل شيءٍ فجأة، هي ثوانٍ قليلة جعَلَت الدُّنيَا تدور بي، فلم يَعُدِ المقذوف في يدي وصوتُ أخي محمد الذي كانَ يلعب معي اختفى، ولا أدرك ما حولي، فقد أحسست بالدم يسيل مني، والشظايا تسكن كل جسدي، وشعرتُ أني سوف أموت.

    تم إسعاف جواد وأخيه إلى المستشفى، كانت الشظايا غطت جسديهما، وتم بتر يد جواد اليمنى.

    ذلك الفتى الذي كان يمسك القلم بيد، ويقلب الورق بيده الأخرى؛ أصبح لا يجيد الكتابة بيد واحدة، يقول جواد: بات لا يروق لي اللعب، وأنا أرى في عيونهم الشفقة، بتَ أستصعب فعل أي شيء، حتى تقليب الورق، فأنا لم أكن مبتور اليد من قبل، بل فعلتها جماعة الحوثي التي تترك أثرها في كل مكان، لتعبث بنا وبكل ما هو جميل ولتحول الفرح والسرور إلى ألم يسكن أرواحنا طيلة العمر.

    يقول والد جواد إن الحالة النفسية لابنه بعد بتر يده خطيرة جدا؛ حيث يرفض الحديث مع أي أحد، ولم يعد حتى يذهب إلى المدرسة، ويرفض الخروج من البيت للعب مع أقرانه.


  •