تبرّع

محمد النديم…حرمان من الحرية خارج الزنزانة
  •  
  • 19/04/2024
  •  https://acjus.org/l?a4132 

    في مدينة صنعاء العتيقة، حيث تتشابك الأزقة الضيقة وتحجب الشمس بظلال التاريخ، عاش "محمد نديم" حياة هادئة مع عائلته،تخرج "محمد"  من جامعة صنعاء تخصص الاعلام، عمل في قناة اليمن الفضائية، وأمضى أيامه بين كتابة الأخبار وتحليل الأحداث، وقراءة المستجدات، لكن في 5 مارس 2018، تحولت هذه الحياة الهادئة إلى كابوس قاتم.

    في فجر لم تشرق فيه شمس الحرية، طرق الحوثيون باب منزل "محمد نديم"، اقتحموا بيته بقوة، واختطفوه دون مبرر، اقتادوه إلى سجن سري، حيث بدأت رحلة عذاب لا مثيل لها.

    قضى "محمد" ثلاثة أيام في ظلام الزنزانة، يتعرض للتعذيب على يد الجماعة،اتهموه زوراً بالعمل مع السعودية وتسريب معلومات عن سجونهم،حاولوا كسر إرادته دون جدوى،تعالت صرخاته بين جدران السجن، لكن لم يسمعها أحد، سوى صدى الظلم الذي يملأ المكان.

    ازدادت معاناة "محمد"،عندما شاهد موت أحد المعتقلين في الزنزانة نتيجة التعذيب، نظر إلى جسد الرجل الذي فقد أنفاسه، وشعر بالعجز عن فعل أي شيء لإنقاذه، فالموت في الزنزانة لم يكن مجرد مشهد مرعب، بل كان رسالة تحذيرية لكل من يعارض الحوثيين.

    وسط الظلام والقهر ظهر بصيص أمل لمحمد ، اذ قال له صديق له في الزنزانة وهو يهمس بصوت منخفض بأن شخص يدعى "أبو يحيى" سيقوم بتهريبه من السجن مقابل مبلغ من المال ، حيث أكد عليه أن لا يخبر أحدا بهذا إلى أن يخرج  .
    ليسأله محمد عن إمكانية أن يخبر أبو يحيى عنه ، فيرد عليه  "لا ليس الآن فقد ينزعج مني  وقد يلغي الاتفاق الذي بيننا، ولكن تستطيع أن تعرض عليه الأمر بنفسك وأن تقدم له ماتستيطع تقديمه".

    يقول محمد :"في اليوم التالي رأيت أبو يحيى أثناء ما كنت أنظف الممر وقلت له يا عم أبو يحيى أريد أن أتحدث إليك ولن أطيل الكلام، فقال لي تكلم  قلت له أريد أن أغادر السجن وأعدك أنني لن أظل في صنعاء وسوف أغادرها فوراً ،قال لي وما الذي أستطيع ان أفعله لك أنا؟  قلت له أنت تستطيع أرجوك أخرجني من هذا المكان ،صمت قليلاً وقال لي أنه سيرد عليا غداً ،ثم قال سأتكلم مع مدير السجن ولكن ما الذي تستطيع أن تقدمه للمدير مقابل إطلاق سراحك؟ فقلت له  بأني أمتلك سيارة كورولا موديل 2013 جديدة ونظيفة ،رأيت الفرحة تغمر عينيه ثم قال: حسنا غداً سنتكلم ولا تخبر أحدا، قلت له أعدك بذلك". 

    في ذات اليوم حضر أبو يحيى ليستدعي محمد نديم إلى الممر حيث أعطاه هاتفا ليتصل بعائلته على عجالة ويخبرهم أن يرسلوا صورة لسيارته التي أخبره عنها لأن المدير يريد أن يراها حد قول أبو يحيى.

    وتابع محمد: "تحدثت معهم بسرعة ثم أخبرت زوجتي أن تذهب لصديق لي لتعطيه هذا الرقم الذي أتصلت به وتخبره  أن صاحب هذا الرقم سيقوم بتهريبي من السجن مقابل سيارتي وكنت على يقين أن صديقي سيعرف ماذا عليه أن يفعل".
    أنتهت المكالمة وغاب بعدها صوت العائلة كما اختفى أبو يحيى،حيث كان يمكث محمد يترقب الليالي بلا نوم ينتظر متى يطل عليه ابو يحيى ليخبره عن مغادرته السجن ، أسئلة كثيرة كانت تراود محمد. وفي اليوم الثالث الساعة الثامنة مساءً فُتح باب الزنزانة وكانت عين محمد لا تفارق الباب   تنتظر القادم من يكون ،أخيراً  دخل أبو يحيى،ملوح بيده نحو محمد أن تعال يا محمد،سيتم نقلك إلى سجن آخر .

    يقول محمد :"في هذه اللحظات توقفت كل حواسي ولم أستطع النهوض من شدة الفرح حتى قام إثنين من من كانوا معي في السجن لمساعدتي على النهوض وقبلوني وقمت بتوديع كل من كانوا معي في الغرفة ثم خرجت مع أبو يحيى الذي كان صامتاً ولم ينطق بحرف واحد، بقيت أمشي خلفه وأنا بحالة مزرية تشبه المجنون تماماً  شعر طويل، ملابس متسخة ورثه، وحافي القدمين".

    وأضاف :" حين وصلنا للباب الثاني الذي يفصلنا عن مبنى السجن ومنه ندخل إلى الساحة لوح أحدهم بيده مشيراً إلى سيارة كرسيدا قديمة وقال لي إذهب واركب تلك السيارة. ذهبت مسرعاً اليها  وكان هنالك رجل يرتدي قميص أبيض يجلس في الكرسي الخلفي، يمضغ القات ومعه سلاحه وأنا في حالة رعب ودهشة،ثم صرخ في وجهي قائلاً: هيا تعال واصعد هنا، فلبيت صراخه مسرعاً وركبت في الكرسي الخلفي فقال لي حاول أن تنام على بطنك هنا تحت أقدامي  فارتميت بجسدي كما طلب مني،ووضع قدميه فوق راسي وظهري".

    يتابع محمد :" ركب معنا شخص آخر لم أستطيع أن أعرف من هو لأني كنت في وضعية لا تسمح لي بالرؤية،ثم وضع الآخر قدمه كذلك على ظهري وقدمه الأخرى بين قدماي  وكانا يتحدثان عن أبو يحيى ولماذا تأخر ثم سمعت صوت أبو يحيى وهو يسأل عني وبعدها من فوره ركب السيارة في المقعد الأمامي بجانب السائق ومن ثم سمعته يقول :"أين ذهب أبو علي؟ وعرفت أنه كان يسأل عن السائق، فقالو له ذهب إلى دورة المياه".

    واستطرد: "خلال ثواني حضر السائق وقام بتشغيل السيارة، انطلقنا نحو البوابة الرئيسية كنت مغطى تماماً بأثواب الرجلين اللذان يجلسان في الخلف توقفت السيارة أمام البوابة الكبيرة المشؤومة  وكانا يتحدثان مع أبو يحيى إلى بعض الحراس أمام البوابة،  وبينما هم يتحدثون سمعت صوت ذلك الفولاذ العملاق يفتح ويصدر صفير الحرية شعرت بأن الحياة انفتحت أمامي ثم انطلقت السيارة وزالت كل آلامي وأوجاعي  وبرغم من اني كنت أكاد أختنق تحت أقدامهم  إلا انني كنت سعيداً  وكان هذا أجمل يوم في حياتي".

    وصل محمد أخيراً إلى مكان آمن، حيث اتصل بزوجته وأولاده، كان اللقاء مؤثراً للغاية، مليئاً بالدموع والفرح،لكن سعادة محمد لم تكتمل، فكان عليه مغادرة صنعاء خوفاً من الحوثيين الذين هددوه بالقتل في حال عثروا عليه.

    استقر محمد في مدينة أخرى، لكنه لم ينعم بالهدوء، ظل يتعرض للمضايقات والتهديدات من قبل الحوثيين، حتى بعد مرور سنوات على تهريبه من السجن.

    لم يستسلم "محمد"، بل قرر أن يناضل من أجل حياة أفضل لعائلته،سعى جاهداً للحصول على تأشيرة سفر إلى دولة غربية، حيث يمكنه العيش بأمان وكرامة،شعر محمد أن هذه هي الفرصة الوحيدة لبدء حياة جديدة بعيدة عن الظلم والخوف.

    بعد أشهر من الجهود المضنية، واجه محمد خيبة أمل كبيرة، لم تتم الموافقة على طلبه للحصول على تأشيرة سفر، وانهارت أحلامه في العيش بأمان،شعر محمد باليأس والإحباط، وكأن القدر يطارده ويحرمه من حقه في الحرية.


  •