كان أحد أبنائها يحاول استعادة بضاعة منهوبة تعود للمحل الذي ورثته الأسرة عن والده، ونتيجة تلك المحاولة السلمية، تم إيداعه السجن، وسقط شقيقه الأصغر منه قتيلاً.
هكذا يذهب الضحية ويبقى الجلاد يمارس جوره وعدوانه على البسطاء والمستضعفين، ومنهم الباعة منهم والمتجولون طلباً للرزق.
ففي يومٍ أسودٍ دامٍ، وفي نهارٍه الذي تحوّل نوره إلى غسقِ الدُّجى، يوم حمل معه أوجاعاً لن تُشفى على مرِّ السِّنين، وجروحاً لن تندمل إلى يوم الدِّين، انتهى فيه حُلمُ شابٍ خلال لحظةٍ واحدةٍ، كان فيها يجمع قوت يومه وأسرته آمناً في محله، ولم يدرِ ما في ذلك من ذنبٍ، لكنَّ الجواب لم يعُد ينفع الآن.
قبل سته أشهر من العام 2022؛ أقدمت عصابة مسلحة مكونة من: "ع أ ح م"، و "إ ح س م" و"ع خ ح س" على التقطع لبضاعة باسم عرفات المهاجري البالغ من العمر 21 عاماً، وهو الأخ الأكبر لمحمد عرفات (18 عاما)، القادمة من محافظة عدن إلى الحوبان شرق مدينة تعز، واحتجازها بلا مبرر أو وجه حق.
لم يكن لمحمد وباسم سند يلجئون إليه لرد بضاعتهم، فقرر باسم أن يشتكي لأحد القادة الحوثيين (أنصار الله) في المنطقة، لعله يجد لديه إنصافاً، ويرد إليه بضاعته، فذهب ذلك القيادي مع مرافقيه إلى تلك العصابة، وحدث اشتباكات بين الطرفين، أودت بحياة أحد أفراد العصابة، ليقع الذنب على باسم عرفات.
كان أحد أفراد العصابة قد حصل على منصب ورتبة ضابط في إدارة أمن مديرية ماوية، بحكم قربه من جماعة الحوثي (أنصار الله)، ليكون سنداً لزملائه في العصابة، وبكل سهولة وجه باعتقال باسم وإيداعه السجن بتهمة التحريض بالقتل.
لم تكتفِ العصابة باعتقال باسم؛ فقد كان كل من "ع أ ح م"، و "إ ح س م" يزورون باسم في محل الأسرة الكائن في سوق السويداء ضمن منطقة ماوية، لتهديد محمد شقيق باسم والعاملين في المحل بالانتقام وتصفيتهم جسديا على خلفية مقتل زميلهما في العصابة.
في تمام الساعة السادسة والنصف من مساء، الاثنين الموافق24/4/2022م، وقبيل لحظات من موعد إفطار ذلك اليوم الرمضاني، أطلت الأم من نافذة منزلها المواجه للمحل للاطمئنان أن ابنها محمد عرفات قادم من أجل الإفطار، وبينما كان محمد يفعل ذلك، ولا يفكر وقتها بشيء آخر سوى وجبة الإفطار، دون أن يعلم أنّه لن يتناولها، وأنه لن يرى والدته تلك الليلة، ولا أي ليلة بعدها، وأن تلك اللحظات هي آخر عهده بمحله التجاري الذي كان يجر درفة بابه لإغلاقه؛ جاء "إ ح س م" على متن دراجة نارية وباشره من خلفه ببضع رصاصات من بندقيته، أمام ناظري الأم المصعوقة.
لم يكتفِ "إ ح س م" بذلك؛ بل ترجل من على متن دراجته وتقدم باتجاه محمد الواقع على الأرض مضرجاً بدمائه، ليطلق مزيداً من الرصاصات الغادرة، قبل أن يستقل دراجته مرة أخرى ويمضي في حال سبيله كأنه كان يلقي السلام على أحدهم بمنتهي البساطة والتلقائية.
لم يرتكب محمد عرفات أي جرم، كان فقط يقوم بمهمة كسب رزقه ورزق أمه وإخوته في محل تجاري ورثوه من والدهم، بينما كان شقيقه الأكبر نزيل السجن بتهمة التحريض على القتل، وهي التهمة التي كانت تزويراً لسعيه المسالم لاستعادة حقه وحق إخوته في المال المنهوب، دون أن يكون له أي ذنب فيما حدث نتيجة محاولته تلك.
لم يبقَ للأم وأطفالها الصغار سوى مواجهة الحياة دون عائل يسندهم، أو يخفف عنهم الحزن والألم، ودون أن يجدوا من يقف معهم في سبيل الانتصار لشهيدها محمد، وبِكرها المعتقل تعسفا باسم، وليس لها إلا أن ترفع كفها لعل عدالة السماء تكون أقرب.