من قريته الهادئة "بيت السباعي" في مديرية الرضمة بمحافظة إب، انتقل محمد إلى عدن بعد أن رحل من السعودية ، حاملاً معه أحلامه وطموحاته، حيث عمل بجد في العديد من الأشغال ، ساعياً لتحقيق الإستقرار المادي لعائلته، وكان يرى في عدن فرصة جديدة لبناء مستقبل أفضل، فهو الرجل الذي يحمل هم والدته وزوجته وأبناؤه الثلاثة .
في أحد الأيام، وقعت حادثة بسيطة أثناء عمله في إحدى العمارات حيث كان يعمل في قطاع البناء ،أختفى هاتف حارس العمارة، فطلب محمد من الحارس أن يتم تفتيشه قبل أن يخرج من العمارة، فرد عليه الحارس أنت دحباشي ، فنتجت مشادة كلامية مع حارس العمارة من أبناء الجنوب، لم تكن هذه المشادة لتتطور لولا تدخل صاحب العمارة (ح.أ)، الذي هدد محمد بإدخاله السجن، حيث كانت هذه التهديدات بداية النهاية بالنسبة لمحمد، الذي لم يكن يتوقع أن تتحول حياته إلى جحيم.
وفي ليلة مظلمة، اقتحمت مجموعة مسلحة مكان تواجد محمد، واقتادته بالقوة إلى قسم دار سعد حيث كان صاحب العمارة هو من اوشى به ،بدأ أهل محمد وأصدقاؤه بالبحث عنه، ولكن دون جدوى ،كانت الأيام تمر والقلق يتزايد على قلوبهم.
بعد ستة أشهر من البحث المضني، تلقى أهل محمد اتصالاً هاتفياً يفيد بوجوده في قسم دار سعد، ويطلب منهم عدم السؤال أو البحث عنه مدعيا أنها مجرد إجراءات وسيخرج ، هرعوا إلى السجن، ولكنهم عادوا بخفي حنين لم يكن محمد هناك فقد تم نقله إلى سجن بئر أحمد .
مرت السنوات، وتلاشت آمال العائلة في العثور على محمد، حاولت والدته بكل ما أوتيت من قوة الوصول إلى الحقيقة، ولكنها اصطدمت بجدار من الصمت واليأس ،كانت تتنقل بين المكاتب الحكومية، وتستنجد بالمسؤولين، ولكن دون جدوى
مرت سبع سنوات منذ اعتقال محمد في العام 2017، وما زال مختفي حتى اللحظة دون بصيص أمل ، فقد توفي والده قهراً وكمداً، بينما أبيضت عينا أمه من الخزن حتى فقدت بصرها ،وداهم المرض زوجته بينما غرق أحد أبناءه في السد ، ومن تبقى من أبناءه تركوا فصول الدراسة، فهم الأسرة التي اختفى عائلها الوحيد في أحد زنازين سجون مدينة عدن وتغيرت حياتهم ، وأصبح أملهم اليوم هو أن يعرفوا فقط مصير والدهم هل هو حيا أم ميتا لعلهم بذلك يستعيدوا جزء من عافيتهم وبريق حياتهم الذي ذهب منذ أن اختفى والدهم في سجن بئر أحمد ، ذلك السجن الذي يلتهم حياة من ليس لهم حول ولاقوة .