تبرّع
مأساة عائلة اختلطت دمائها بركام منزلها

بأي ذنب قتلت ؟
  •  
  • 10/12/2023
  •  https://acjus.org/l?a4088 

    هكذا تساءلت "أم محمد الحبيشي" في واحدة من رسائلها أمام شاشات التلفاز وهي تحكي مرارة الفقد التي عاشتها في يوم الخميس الموافق 2011/3/19 بفعل جماعة الحوثي التي لم تأبه لصرخاتها ولا لتوسلاتها  وهي تحاول جاهدة إنقاذ  أطفالها في ظل سخرية الجماعة منها ومن أوجاعها المدفونة تحت التراب .
    ففي مساء يوم الخميس من العام 2011 وفي تمام الساعة الخامسة والنصف مساءً تحولت مدينة صعدة القديمة إلى منطقة يعلوها صراخ الأطفال وعويل النساء ورائحة الدم الممزوجة بالبارود بعد أن أقدمت جماعة الحوثي على قتل النساء والأطفال والشيوخ دون مبرر أو مسوغ ، فهي جماعة لا تتقن غير فنون القتل وإن حاولت إخفاء ذلك .
    لم تكتفي الجماعة في ذلك اليوم  بقتل الأبرياء بل كانت تسعى لخلط دماء الضحايا والبارود برائحة غبار المنازل وترابها المتناثر فراحت تهدم البيوت على رؤوس سكانها بلا رادع أو ضمير، لا تفرق بين طفل وامرأة فالكل في نظر تلك الجماعة، مدان ويستحق الهلاك .
    لم تنتهي القصة هنا حيث كانت أسرة "أم محمد الحبيشي"  على موعد مع فصل جديد من جرائم  الجماعة التي كانت تخبئ لهم قدر من نوع آخر، حيث لم تكتفي الجماعة بتلك الجريمة التي راح ضحيتها أبرياء من أطفال ونساء، بل أقدمت على تفخيخ منزلها الكائن في باب اليمن حارة درب المام محافظة صعدة المكون من طابقين ولم يوجد في داخله غير النساء والأطفال، حيث قاموا بإطلاق النار الكثيف من جميع الاتجاهات من النوافذ والأبواب ، وقاموا بعد ذلك بزرع الألغام على أركان المنزل، كان الصراخ والبكاء يملأ أرجاء المنزل قبل تفجيره وما إن فجر حتى غابت أصوات الأطفال قبل النساء ومن ثم خفتت أصوات النساء قبل الرجال حيث دفن تحت الركام ما يقارب إحدى عشر فرد معظمهم من النساء والأطفال إلا أم محمد الحبيشي الناجية التي كانت تتواجد  على الجانب الآخر غير المتهدم من المنزل . 
     لم ينتهي الأمر عند هذا الحد، فبعد تفجير المنزل باشرت الجماعة بإطلاق الرصاص الحي خوفاً من أن ينجو أحد من هذه العائلة التي دفنت تحت الركام دون سابق إنذار .
    كان الليل يدنوا والخوف يسيطر على المدينة من كل اتجاه، عم الرعب وتوجهت الأبصار، والنداءات الصارخة نحو المنزل المتهدم، لعل من قد دفن تحت الركام يسمع أو يتم إنقاذه ،لكن الجميع مكبل وواقف موقف المتفرج مرغماً فلا مجال للإنقاذ فجماعة الحوثي تهدد وتتوعد كل من يقترب، صرخات الأم تدوي وهي تستجدي عناصر الحوثي لإنقاذ فلذات أكبادها لكنها جماعة قد غاب عن وجدانها الرحمة والرأفة بمصاب الأم وطغى على أفرادها الانتقام من الأبرياء .
    بعد مرور أربعة أيام على تفجير المنزل وأخذ كل ما بحوزته، أقدمت الجماعة في وقت متأخر على التنقيب في ركام المنزل المتهالك وإخراج عدد 11 جثة لنساء وأطفال، حيث تم أخذهم لدفنهم في أماكن متفرقة دون علم من أهلهم الذين يتمنون أن يرون ولو رماد أجسادهم ، في ظل وجود جماعة لا تقوى إلا على الاستقواء في حربها  ضد المدنيين، والتي تتنافى مع كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية وحتى مع قوانين الحرب نفسها، جماعة متخصصة في أعمال القتل والخراب وقصف البيوت على رؤوس أصحابها.
    يروي "محمد الحبيشي" وهو صاحب المنزل الذي تم تفجيره 
    "حين تم تفجير منزلي كنت أنا محاصر من قبل عناصر جماعة الحوثي في فندق كاز بلانكا  أنا ومجموعة من الأشخاص وكنت مصاب برصاصة قناص في رقبتي ولم نستطيع الخروج بسبب إطلاق النار الكثيف علينا من جميع العيارات وتم التواصل مع جميع مسؤولين المحافظة في ذلك اليوم ولم يلبوا نداء استغاثتنا. بعد مرور 5 أيام من الحصار وقد انهكنا الجوع والعطش تواصلت مع (حسين خيران) قائد لواء المدفعية بأننا مازلنا محاصرين وأرسل مدرعات لغرض حماية الدوائر الحكومية ومن ثم قمنا بالانسحاب ودخل أفراد حسين خيران كبديل لنا ونحن انسحبنا إلى المدرعات ونُقلنا إلى لواء المدفعية وفي اليوم الثاني تم  نقلي من صعدة إلى صنعاء بطائره هليكوبتر وتم وصولي إلى صنعاء وكنت مصاباً إصابة بليغة في رقبتي وتم نقلي من المطار إلى المستشفى العسكري حيث مكثت فيه عشرة أيام" . 
    لم تشفع "لمحمد الحبيشي" إصابته بالغة الخطورة في العنق فقد كانت الجماعة تسعى جاهدة لاعتقاله حيث اضطر للخروج من المستشفى العسكري في محافظة صنعاء متجهاً نحو مدينة "اب " هناك  حيث التقى بمن تبقى من أفراد عائلته ليعمل كسائق مع أحد تجار المواد الغذائية محاولاً بذلك سد رمق عيشهم إلى أن دخلت جماعة الحوثي مدينة " إب " هناك حيث اعتقلت "محمد الحبيشي" وإخفاءه وتعذيبه في منتزه "بن لادن" ومن ثم نقله إلى الأمن القومي في محافظة صنعاء حيث مكث فيه ما يقارب شهر كامل ثم نقل آنذاك إلى سجن البحث الجنائي حي الزراعة في صنعاء ليتم إرغامه ليتنازل عن دم أبنائه ومنزله الذي تم تفجيره على رؤوس أبناءه.
     يضيف الحبيشي  " حاول الحوثيين ارغامي بأن أتنازل عن حادثة تفجير المنزل وأعمل مقابلة بقناة المسيرة وبأنهم سيقومون بتعويضي عن كل شيء كيفما أريد، لكني رفضت رفضاً قاطعاً قلت لهم لن أتنازل أو أوقع ابدًا، اقتلوني أهون وأعز عليّ من أن أتنازل عن قطرة دم طفل دفن حياً". 
    بعد مرور 7 أشهر على اعتقال "محمد الحبيشي"  دون علم أسرته عن مكانه حاول "محمد" الاتصال بأسرته ليطمئنهم عليه، حيث كان يمكث في السجن مع وجاهات وشخصيات مهمة أحدهم كما يقول هو "الشيخ خالد الأجدع ومشايخ آخرين هما: الشيخ "محمد الوادعي"  والشيخ "عبدالله الوادعي" حيث طلب من أحد زوارهم الاتصال بأهله وإبلاغهم عن مكان تواجده .
    عند معرفة أقارب "محمد الحبيشي" بمكان تواجده جمع الأهل مشائخ المنطقة وأعيانها  ليتوجهوا من صعدة إلى صنعاء لمقابلة المعنيين باعتقال "محمد الحبيشي "لكنهم قوبلوا بالرفض ليتوجهوا إلى الشيخ "محمد ابو شوارب" والذي بادر بكفالة محمد لدى الحوثيين وإخراجه بضمانة والتزام على عدم التعرض للجماعة والتحريض عليها .
    خرج "محمد" من السجن وقد عُذّب ولم تكتفي جماعة الحوثي بسلب أرواح أطفاله وتفجير منزله واعتقاله بل جعلته مشرداً أينما حل وذهب فقد كانت تسعى مرة تلوى الأخرى لاغتياله حتى غادر مدينة "إب " متجهاً صوب محافظة مأرب، أملاً  في النجاة وإيجاد من يمكن له أن ينصفه في استعادة حقه المهدور وما سُلب منه وتعويضه عما فقد، ومشاعر الحزن والقهر تُخيّم على ملامح وجهه بعد أن فقد عائلته وبيته ، لكن الخذلان كان يرافقه في كل مرة يستجدي بها سلطات القانون والعادلة ومرارة الخذلان التي مازالت ترافقه لليوم تعد أقوى وأشد من مرارة الحزن على ما فقد، فلا الدولة كانت حاضرة معه لاسترداد حقه ولا القانون كان منصفاً له.


  •